Northern Syria... A "Test of Intentions"
في البداية، يبدو أن روسيا أحرزت تقدماً في تطبيع العلاقات السورية التركية، لكن الجانب السوري لا يزال حذراً في تقييم مدى التزام تركيا بالاتفاقيات التي توسط فيها الوسيط الروسي.
بقلم علي فضة
لا شك أن هناك وضعاً جديداً من الناحية العملية، ولكن لا يمكننا فهم توقيت هذا السيناريو السوري الحالي دون التطرق بإيجاز إلى التعقيدات الجغرافية والسياسية للأزمة العسكرية السورية. ويمكن القول إن تفكيك عقدة حرب شرسة كهذه ليس بالأمر السهل، بل يتطلب هدوءاً دقيقاً وتكتيكياً في إطار استراتيجية حل تضع المصالح العليا لسوريا في المقام الأول.
جغرافية الأزمة السورية وارتباطاتها الإقليمية
عندما كانت الحرب في سوريا مستعرة، كانت سوريا في البداية، قبل انضمام حلفائها، منخرطة في حرب واسعة النطاق جغرافياً، حيث واجهت جبهات من الأردن ولبنان والعراق التي عانت، وتركيا، الجبهة المحورية الأكبر، والجبهة المتقلبة مع فلسطين المحتلة. كانت هذه الجبهات تشتعل في وقت واحد، ناهيك عن الدعم العربي والغربي السابق الهادف إلى حصار سوريا لتأمين خطوط الإمداد، بهدف تدمير الدولة السورية ودورها بالكامل. كان هذا واضحاً للجميع، وخاصة التداعيات المتوقعة لمثل هذا التحالف الذي كان هدفه الوحيد قتل سوريا التي نعرفها دوراً ومركزاً.
كيف تعاملت سوريا مع هذا التعقيد الخطير؟
لقد أعطت سورية الأولوية للترتيبات الداخلية قبل التركيز على الحدود، فركزت على السيطرة على مراكز المدن، وخاصة العاصمة دمشق، من خلال عمليات عسكرية صعبة ومكلفة، ودفعت القوى المعادية إلى الحدود ـ الأرياف. وعندما نتحدث عن الحدود، فهناك طريقتان للتعامل معها: عسكرياً ـ سياسياً أو سياسياً ـ عسكرياً. وبعبارة أوضح، الحدود تعني الدول المجاورة، وبطبيعة الحال فإن الدول تتعامل مع التغيرات الميدانية والسياسية من خلال التفاهمات السياسية، ثم التحركات العسكرية التي تعكس قرارات سياسية. وتعاملت سورية مع الاحتمالين، كل جبهة على حدة. بعض الجبهات كانت ساخنة عسكرياً، ففرضت واقعاً سياسياً مثل لبنان، وبعضها الآخر تم حله سياسياً، ففرضت واقعاً عسكرياً مثل الأردن والعراق، والآن تركيا. وكانت النظرة التكتيكية العامة هي تسخين بعض الجبهات وتبريد جبهات أخرى، وهذا ما حدث بالفعل.
تدويل الأزمة السورية
لقد تم تدويل الأزمة السورية وتم تمويلها بدعم غربي قوي منذ اليوم الأول. وهذا الواقع يفرض تحالفات حتمية، سواء على مستوى محور المقاومة كشريك في الحفاظ على سوريا، أو دولياً مع روسيا والصين، على الرغم من تباين مساهماتهما. وهذا أدى إلى توازن استراتيجي ضروري في المعادلات السياسية والمصالح المشتركة.
دور روسيا في العلاقات بين أنقرة ودمشق
في السابق، لم تكن هناك جبهات عنيدة باستثناء شمال سوريا مع تركيا، وشمال شرقي البلاد مع "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) والقوات الأميركية المنتشرة هناك.
منذ فترة تحاول روسيا خلق تقارب يشكل تفاهماً سورياً تركياً، ويصر الجانب السوري على مبادئه ويصر عليها، ويطالب بانسحاب القوات التركية من الأراضي السورية قبل مناقشة طبيعة العلاقات مع أنقرة، واليوم يبدو أن هناك تقدماً في هذا الاتجاه، كما نرى في إدلب وتعامل تركيا مع الأحداث هناك، وإن لم يكن كافياً، وترى سوريا في ذلك اختباراً للنوايا الحسنة التركية.
وفيما يتعلق بالموقف التركي الجديد، وخاصة تصريح أردوغان الأخير بأن "لا عائق أمام لقاء الأسد وإعادة العلاقات كما كانت من قبل"، فإن التعامل معه يتم على النحو التالي:
1. فشل الخيار العسكري في سوريا.
2. إدراك أردوغان أنه لا يستطيع تحويل تركيا إلى جمهورية حزب العدالة والتنمية.** ولعل الانتخابات الإدارية المحلية الأخيرة تشكل نموذجاً ذا أبعاد مختلفة، كافية للإشارة إلى ذلك.
3. نهاية حلم الانضمام للاتحاد الأوروبي.
4. تغير موازين القوى على المستويين الإقليمي والدولي.
في البداية، يبدو أن روسيا أحرزت تقدماً في تطبيع العلاقات السورية التركية، لكن الجانب السوري لا يزال حذراً في تقييم مدى التزام تركيا بالاتفاقيات التي توسط فيها الوسيط الروسي.
وإذا نجح الاتفاق بشكل كامل واتجهت الأمور نحو الفعالية فإن قضية الوجود الأميركي في سوريا ستبقى معزولة، بعيدة عن التعقيدات التي حُسمت إلى حد كبير من قبل سوريا، ما جعلها أشبه بجسم غريب في الكيان السوري، وهو أمر غير آمن أيضاً.
أما السؤال الأخير والأهم فيتعلق بوجود "قوات سوريا الديمقراطية" وكيفية حله، دون أن ننسى دور العشائر، في إطار معالجة الأوضاع في الجزيرة السورية وتأثرها المباشر بالتقارب التركي السوري.
وهذا في حد ذاته يحتاج إلى مقال منفصل نظرا لأهميته وللتعمق في النهج والحلول.
Comments
Post a Comment